من أجل: الاهتمام بأصالة ودور الشخصيـة الوطنيـــة وخصوصيتهــا النــابعة من عوامل الهوية والانتماء، وإبرازاً لتاريخنـا الحضاري المشرق العريق، وحافزاً للنهوض الوطني الشامل.
(الفرِح).. لماذا؟ ولماذا بـ (الفرِح) يدشن منتدى (منارات) فعالياته؟
في الـ (23 يوليو) من العام 1954م رأت عينا (محمد حسين الفرح)، النور مُعلنا مجيئه إلى الدنيا، ليرحل عنها في مقتبل عمره في ربيع (19/4) من العام 2005م مختزلاً حياة متعددة الاشراقات في مسارات ثلاثة: الفرد والتاريخ/ الإنسان والمجتمع/ قطرة المطر والمحيط. وحتى أن تعددت وتنوعت هذه المسارات الحياتية في أشكالها ومضامينها ووجهاتها بيد أن منبعها واحدٌ وهو (الفرح) كما أن هدفيتها الرئيسة واحدة ألا وهي محاولة استنطاق التاريخ بالشهادة على الحاضر ونفض الغبار عن أحداث السنين لتأسيس خطاباً تاريخيا يتجه إلى المستقبل.
إذن فإن ما بين ميلاد (الفرِح) واغماضته الأخيرة خمسة عقود زمنية عاشها بيننا متدثراً بالتاريخ..متوسداً الوطن في أزهى صوره وعصوره.. يشدو له من أعلى روابيه..مبحرٌ في بحر تاريخه ليستخرج لنا من أعماقه لآلئ معاصرة تشع من جنباتها جرأة التناول وشجاعة المواجهة، براعة التحليل ونضج الرؤية، عمق البصيرة وبُعد البصر في استشراف آفاق المستقبل وقراءة ملامحه بإعادة قراءة مشهودات الحاضر من خلال أحداث الماضي وبالتالي المزج في حذق وحصافة بين الماضي والحاضر، والتاريخي..والآني. حيث تتبدى تجليات كل هذا في أسفار جُلّى لـ (الفرِح) في الفكر والسياسة والتاريخ والشعر. ومن هذه الأسفار الموسوعية ما يمنح (الفرِح) –ودون مغالاة- حق الفرادة وقصب السبق في اقتحام أبواب مضامينها التي يجمع ما بينها –على وفرتها وتنوعها- أنها تقتحم ولا تتراجع، تجهر ولا تتستر، تعلو بالعام على الخاص، تنتصر للعلم على الجهل، العقل على النقل، التنوير على الإظلام، الإبداع على الإتباع، التجديد على التقليد، تفيض بالمعاصرة وأن تدثرت بالتاريخ ودأبت على إعادة قراءته لتستجلي أدوار اليمن واليمنيين وتأثيرهم في التاريخ الحضاري العربي، والإسلامي، والإنساني.. لا للقراءة فحسب ولكن للاستلهام من مجريا ت أحداثه زاداً لحاضرنا ونحن نتجه للمستقبل من بوابة المشروع الحضاري لليمن المعاصر.. يمن الـ22 من مايو1990م.
نخلص للقول أن خمسة عقود زمانية عاشها (الفرِح) بيننا تُعد شيئاً لا يُذكر بحساب السنين والشهور وقياساً بالإرث الفكري المعرفي والإبداعي –أيضاً- الذي ورّثنا إياه لنخرجه من حالة السكون بين دفات الأسفار إلى حالة من الحركة والتفاعل من خلال أبحاث ودراسات ورسائل جامعية، فضلاً عن إخراجها من حالة نخبوية التداول إلى حالة من (الشعبية) بإعادة طباعتها في طبعات شعبية كاملة أو في كتيبات يمكن تداولها بين النشء والشباب.. إلى جانب استفادة كُتّاب ومخرجي الدراما المسرحية والإذاعية والتلفزيونية منها كمرجعيات بالغة الثراء يمكن الاتكاء عليها في كتابة أعمالٍ درامية يمنية. وكثيرة هي الأوجه التي يمكن استغلال أسفار (الفرِح) فيها باعتبار أسفاره جزءاً من ذاكرة مكتوبة "يمكن أن تعطينا قوة متى عرفنا كيف نجعلها تعيش العصر".
على هذا الأساس فإن هذه الأسفار الجليلة جعلت من موت (الفرِح) بداية أعراس عُمره – كما يقول الأستاذ البردوني – وكأننا بموته منادٍ بأعلى صوته: مر من هنا إنسان فتقصوا آثاره على مدارج التاريخ.
وها نحن في مركز (منارات) نتصدى لهذه المهمة ذلك أننا من خلال الفعالية الاحتفائية بـ(الفرِح) وآثاره التي يدشن بها منتدى (منارات) فعالياته، فإنما نحتفي بأنفسنا ونعلي من قيمة الوفاء في حياتنا وإشاعة الفكر النيّر الأصيل فيها. وعلى هذا الأساس فإن المناسبة تعتبر سانحة ينبغي استثمارها للسعي باتجاه إقناع القيادة السياسية والحكومة بالمغزى والأهمية والدلالة التي ينطوي عليها تكريم (الفرِح) بمنحه وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولى. باعتبار هكذا خطوة تعتبر أنتصاراً للقيم التي أفنى (الفرح) حياته بحثاً ودراسة ونضالاً وتنويراً في سبيل إستجلاءها والدفاع عنها والاستماتة في كشف أقنعة خصومها وزيف دعاواهم.
إلى هذا فإن الإقدام على هذه الخطوة يجسد الوفاء كقيمة متوارثة متأصلة في اليمنيين وما زال ديدنهم منذ الأزل (أن يبادلون من يبادلهم الوفاء بالوفاء).
وأن لم يكن (الفرِح) في المقدمة من رتل التنويريين اليمنيين المعاصرين الأوفياء لليمن وتاريخه وحضارته وإنسانه.. وللأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.. فمن هم الأوفياء بالله عليكم؟
ولـ (الفرِح)..وعلى روحه الطاهرة في الذكرى الثالثة لأعراس عُمره حسبنا أن نردد قول أبو تمام:
عليكَ سلامُ اللهِ وقفاً فإنني
رأيتُ الكريم الحر ليسَ لهُ عُمر